في مجال التراث الشعبي، يوضح الدكتور محمد الجوهري أن هذا الموروث الثرى ينقسم إلى عدة فئات منها الأدب الشعبي، العادات والتقاليد، المعتقدات والمعارف الشعبية، الثقافة المادية، والفنون الشعبية. من بين كل هذه الفنون، تعتبر الحكايات الشعبية الأقدم والأكثر انتشاراً على الإطلاق، حيث تتنوع بين الخرافية، حكايات المعتقدات، التجارب اليومية، الحكايات التاريخية، قصص الحيوان، الحكايات الهزلية، والقصص الدينية. تحمل هذه الحكايات بين طياتها إرثاً ثقافياً غنياً يجسد خبرات الأجيال في قالب قصصي مشوق يعكس حكمة المجتمع وقيمه النبيلة. تمتاز الحكايات الشعبية بانتقالها شفوياً عبر العصور، ويؤثر فيها الخيال الشعبي بشكل كبير، وغالباً ما تتضمن عناصر خيالية وغرائبية. ورغم أن الحكايات الخرافية تشتمل على شخصيات بشرية أو من الجن، فإن الحكايات الشعبية تركز على الحياة اليومية والمواقف العادية. وكما تقول جوليا كريستييفا، فإن الحكاية تأخذنا إلى حافة الوجود حيث تدعونا مشاهدها إلى أن نصبح مسافرين نملأهم الدهشة. الجانب التربوي لهذه الحكايات لا يمكن إغفاله؛ فهي تلعب دوراً مهماً في تنمية الطفل من الناحية العقلية والأدبية والنفسية والاجتماعية. تساعد هذه الحكايات الأطفال على اكتساب معارف جديدة وتعلم القيم النبيلة في قالب ممتع ومثير للخيال بعيداً عن النهج التقليدي في التعليم. ورغم الانتقادات التي تراها مسرفة في تبسيط الواقع، إلا أن طرحها بأسلوب مُحبب يجعلها أداة فعالة لغرس القيم السليمة. فالمربي المشهور فيلينون أكد في كتابه أهمية استخدام الحكايات كوسيلة تربوية للأطفال، مشيرًا إلى أن الصور الخيالية التي ترسمها هذه القصص تترك انطباعات قوية في أذهانهم. وكأنه يدعو لاختيار الحكايات بعناية لضمان ملء عقول الأطفال بالمحتوى الغني والقيّم. تعتبر الحكايات الشعبية مرآة للمجتمع تعكس عاداته وتقاليده وتشير إلى النقاط الإيجابية والسلبية فيه. وهي وسيلة تعليمية فعالة تجمع بين المواطنة الصالحة والإبداع القصصي لتقديم دروس أخلاقية وبناء القدرات. وباختصار، تظل الحكاية الشعبية أحد أساسيات التربية الثقافية والاجتماعية للأطفال، تسهم في تشكيل وعيهم وتعميق إحساسهم بالتراث الثقافي والقيمي الذي يرثونه. تلهم الخيال وتغذي الإبداع وتبني الشخصية بأسلوب جذاب يسعى لتحفيز العطاء والتفاعل الإيجابي مع العالم المحيط بنا.

الخير على التزامه واستقامته، وصولًا إلى الحكايات التي تُسهم في تعريف الأطفال بالعادات والقيم المجتمعية بطريقة مشوقة. تُعد الحكايات الشعبية من أقدم وسائل التنشئة الاجتماعية التي تعزز انتماء الفرد لمجتمعه وثقافته، وتساعد الأجيال على فهم تراثهم وإدراك أهميته. ومع بداية القرن التاسع عشر، أدركت الشعوب أهمية الحكايات الشعبية في مقاومة محاولات محو الهوية الثقافية من قِبل القوى العظمى، فكانت هذه الحكايات بمثابة جسر يربط الأجيال ببعضها البعض. وفي هذا السياق، قام الأخوان جاكوب وفلهلم جريم بتجميع عدد من الحكايات الألمانية بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية وتفاصيلها الثقافية. وقد حظي عملهما بتقدير كبير لدرجة أن ألمانيا أنشأت متحفًا لتكريم جهودهما. تلعب الحكايات الشعبية دورًا حيويًا في غرس القيم في نفوس الأطفال، حيث يتم من خلالها تعليم المبادئ الأخلاقية والتربوية بأسلوب شيق وسلس يناسب إدراكهم. فهي تزخر بقصص مليئة بالدهشة والإثارة مثل قصص الجان والعفاريت، كما أنها تقدم نماذج لشخصيات تُظهر الفضائل الإنسانية مثل الوفاء والصبر والشجاعة. إضافة إلى المتعة والتسلية التي تقدمها، تسهم الحكايات في تعليم الأطفال كيفية التصرف في المواقف المختلفة، وتحثهم على تبني السلوك القويم والالتزام بالقيم الأخلاقية التي تسعى لبثها في الأجيال الصاعدة. الحكايات لا تخلو من الحكمة والدروس التي تُوجه الأطفال نحو الأفضل في حياتهم اليومية. في النهاية، تبقى الحكايات الشعبية جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات، تسعى لإثراء نفوس الأطفال وصقل شخصياتهم من خلال الترفيه والتعليم معًا.